أعرف الشتاء، وأحاول أتعرف دائمًا على كواليسه، لكن في جانب أبد ما قد مر في بالي، هل ممكن الشتاء ينسّيك نفسك؟
مرة كنت أمشي ولفتتي متجر صغير بطابقين، وعلى الجانب درج يصل بينهم، الأزياء المعروضة ملفتة بطريقة ما، وعلى طرف الباب جرس صغير، لافتة تسألك برجاء تضغط على الجرس برقّة، لمحتني صاحبة المتجر، كانت في أعلى الدرج، لوّحت لي وهي تتخذ خطواتها للأسفل، تحاول الموازنة بين النظر لعينيك ولكل خطوة تخطوها، نظرة لك، ونظرة للعتبة التالية، تشعرك بالترحيب، وتضيّفك بعيونها، تمامًا مثل حكى محمد السلطان: “ضيّفتني عيونك”.
تفتح الباب، كانت الفكرة آخذ نظرة سريعة لكني فجأة لقيت نفسي في وسط سالفة خلّت السيدة تستند على مقعد جانبي وتحكي. الأزياء المعروضة تتضمن طابع غريب، كانت تعتمد دمج قطع متباينة مع بعض، قطعة عتيقة بقطعة عصرية، فتحس بأن كل قطعة لها روح مغايرة. جلست تحكي لي عن متجرها، وعن عمره اللي يتجاوز الثلاثين عام، وعن الخياطة، الجانب اللي أبدًا ما ألقى نفسي فيه، لكني لقيته حي وحاضر ووشّاء في عيونها، توريني أطراف أناملها، تشير لمكينة خياطتها، تحكي وعيونها تتلوّن بشعور كل مرحلة تحكي لي عنها.
ترجّعني معها لكم سنة ورا، وتحكي كيف كان المتجر بدور أرضي واحد، لكنه في الشتاء يكون بارد جدًا ومعتم لكون الشمس- اللي تشرق لفترة قصيرة جدًا- ما تطل عليه ولا تمنحه شي من نورها. ماحسّت إن الموضوع فعليًا يمثّل مشكلة إلا لما تفاجأت بحصى في الكلى، وكان السبب لكون الجسم ما يشعر بالتعرّق أبدًا فما كانت تحس بشعور العطش، فكانت عادةً ما تنغمس في العمل وتنسى فكرة الماء.
تحكي لي: “الشتاء هنا طويل جدًا، شوفي درجة الحرارة اليوم، المفترض دخل الصيف، معرف متى بيدخل، شكل الصيف ماراح يجي إلا على ٢٠٢٣” ونضحك؛ هي متحسّرة على غياب الصيف وأنا مبتهجة بغيابه. تقول: في اللحظة اللي تلاشت فيها صحتي، قررت أبني الدور الثاني وأنقل مكان عملي له، وبالفعل، سار المكان أدفى لكون الشمس تعرّفت عليه، لدرجة إن الفرق في درجات الحرارة بين الدورين يوصل لتسع درجات في الشتاء! تحكي لي وقنّينة الماء حاضرة في يدّها.
اليوم، ولأول مرة هنا، من بعد فترة الشتاء، توصل درجة الحرارة لواحد وعشرين، مباشرة جات السيّدة في بالي، وأتخيلها مبسوطة ومبتهجة اللحين.